اعتدنا على سماع نظرية المؤامرة في معظم مناحي الحياة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأصبحت شبحا يطارد تفكيرنا ونراها حاضرة بقوة، فمن يراقب السوق العقاري في هذه المرحلة الحساسة يشهد تجاذبات من عدة أطراف تُذكر فيها المؤامرة، وكل ينظر لمتطلباته دون بقية العناصر وما تشمله من عوائق او مشاكل قد لا تحقق ما يريد بالوقت والمكان والسعر المناسب.
نحن امام أزمة السكن واطرافها وزارة معنية بقطاع الإسكان ومواطنون من عدة شرائح من المجتمع السعودي لا يملكون سكنا وينتظرون الحلول التي تتوافق مع إمكاناتهم، وصاحب ارض اخذها بمنحة او اشتراها بحر ماله، وجهات حكومية متعددة معنية بالسوق العقاري، ومطور يبحث عن العمل والربح، وأخيرا جهات تقسيط تقتنص الفرص لترويج بضاعتها. وكل له وجهة نظره ويعبر عنها بما يتوافق مع مصالحه وبمعزل عن الأطراف الأخرى.
الطرفان الأكثر مواجهة في هذه القضية هم المستهلك النهائي والجهات الحكومية المعنية بشؤون الإسكان والسوق العقاري (وزارة الإسكان، الشؤون البلدية، العدل، المالية، التخطيط).
الاتهامات تطال الجميع وتتركز على وزارة الإسكان، وكذلك العقاريين وبينهم المطور والمسوق وصاحب الأرض وأخيرا فئة المواطنين. وبعضهم يرى ان الطرف الآخر مقصر او استغلالي او فاسد او اتكالي ولا يستطيع الادخار.
هناك قصور من جميع الأطراف وهو نسبي ويختلف من جهة لأخرى ومن ينكر ذلك فهو مكابر، وبين القصور والاستغلال هناك نافذة استغلها بعض الأطراف لمصالحهم الشخصية.
في القطاعات الحكومية هناك تقصير من البعض وهناك فساد في بعض الإدارات وتعطيل لمصالح الناس اما لجهل او لمصلحة. وهناك استغلال من بعض العاملين في السوق العقاري من ملاك أراضي ومستثمرين ومطورين ومسوقين وأصحاب مكاتب عقارية ولا يكتفون برفع الأسعار فقط بل البلبلة في السوق. وهناك من يرى مؤامرة بين وزارة الإسكان تنفذها مع العقاريين لتحافظ على أسعار العقارات مرتفعة.
وهناك محتكرون ومعهم فئة تسندهم في عدة قطاعات بهدف الإبقاء على الاحتكار وتضخيم الأسعار، ولكنهم لا يمثلون الدولة التي تسعى لفك الاحتكار وفرضت الرسوم وفتحت المنافسة مع القطاع الخاص بهدف تخفيض أسعار الأراضي والمساكن وتمكين المواطن من التملك ضمن قدرته الشرائية وتحفيز المطورين الجادين على طرح منتجات جديدة بأسعار منافسة. إذا اين المؤامرة؟
منذ تأسيس وزارة الإسكان كان هناك فرصة لإنجاز الكثير مع وجود 250 مليار ريال و266 مليون متر مربع ولكنها تأخرت بسبب البيروقراطية وتقمص دور المخطط والمنظم والمنفذ والمقاول مع تنفير المطورين الجادين والنتيجة لا يوجد انجاز. ومع ذلك لم نرَ مثل الحملات التي تحدث اليوم.
أزمة السكن هي نتيجة تراكمات لعقود ولن يتم حلها في سنتين، والواجب منح الوزارة الجديدة فرصة لنرى إنجازها وإذا لم تحقق أهدافها في فك الاحتكار وضخ المزيد من المشروعات فعلينا انتقادها بشفافية.