مرة أخرى تظهر الإحصاءات مدى أثر الوافدين للعمل في المملكة على حدة أزمة الإسكان في سوقنا المحلي، واستمرار هذا الأثر عاماً تلو الآخر، ففي آخر بيانات صادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات زاد عدد سكان المملكة ليصل في نهاية العام الماضي 2015 إلى نحو 31.5 مليون نسمة، نمو عدد المواطنين كان في ذلك العام طبيعيا إلى حد ما، حيث بلغ نحو 2.1% بل إن نسبته كانت أقل مقارنة بالعام الذي سبقه، بينما ارتفعت في المقابل نسبة النمو للوافدين حتى وصلت إلى 3.2% ليزيد عددهم خلال العام المنصرم بنحو 324 ألف نسمة، الأمر الذي يعني في مجال الإسكان استقطاع هذا العدد لحصة تفوق 80 ألف وحدة سكنية من سوق هذا القطاع، هذا خلاف ما يتجاوز المليون ونصف المليون وحدة سكنية التي يشغلها ما يربوا على العشرة ملايين وافد مقيمين حالياً في المملكة.
معدلات النمو هذه للمواطنين وربما أيضاً للوافدين لا يبدو أنها ستتراجع بنسب عالية على المدى القريب طالما أن هناك استمرار لوتيرة التنمية الاقتصادية الحالية في المملكة، وبالتالي بقاء توقعنا الدائم مستمراً عن تلازم داء العجز في تلبية الطلب على المساكن بقطاع الإسكان في المملكة على مدى السنوات القادمة، ما لم يتم البحث عن بدائل لمعالجة هذه القضية التي لا تقبل التأجيل.
إلقاؤنا نظرة ولو حتى سريعة على حجم تحويلات الوافدين السنوية لمدخراتهم التي ارتفعت في المملكة خلال العام الماضي لتصل إلى 157 مليار ريال، لتكون الأعلى سنوياً على الإطلاق، توحي لنا بحل بديل يمكن أن يولد من رحم هذه القضية، ألا وهو إمكانية اجتذاب ولو على الأقل 10% من تلك المدخرات لكي توجه إلى شراء وحدات استثمارية بقيمة تناسب كافة شرائح الوافدين ودخولهم المتفاوتة، وذلك في مشروعات إسكان اقتصادية تبنى سنوياً، تحتوي على وحدات سكنية بمختلف أنواعها، لتلبي احتياج أعداد الوافدين للعمل في المملكة كل عام، وإتاحة المجال لهؤلاء المستثمرين من الوافدين في تلك المشروعات بإمكانية السكن في إحدى وحداتها السكنية وفقاً لمقدار ما يملكون من وحدات استثمارية أو الحصول على العائد منها مقابل تأجيرها من قبل شركات متخصصة تقوم بذلك، لنجعل سوق الإسكان من خلال هذه الآلية قادرة على الاستجابة للطلب المحلي الذي ينمو بمعدلات شبه ثابتة، ونتفادى مزاحمة وحداته بالطلب الوافد والحكمة العربية القديمة تقول “وداوها بالتي كانت هي الداء”.