لا أذكر أنني رأيت خطاباً انتخابياً أو إعلاناً عند حلول مواسم الانتخابات، في أي بلد من بلدان العالم إلا ويذكر المُرشّح ضمن برنامجه مشروعات النظر في مشكلة العشوائية السكنية. وما دام العالم كله يعترف أنه المتسبب والمتضرر في نفس الوقت، فأرى بأنه وباء ليس كالأوبئة الأخرى. بلدان مثل أكثر مدننا في السعودية لم تنشأ إلا قبل سنين قليلة، يشتكى أهلها من العشوائيات. ولا بيدي تفسير لظاهرة اجتماعية كهذه ولا أظن أن أحداً يملك التفسير المقنع. ل”لماذا أنشأنا هذه العشوائيات، ولماذا نُرغب بإزالتها؟”.
فى ظنّي – وأرجو ألا أدخل حاشية الإثم – أن للعمران العشوائي في بلادنا أسباباً كثيرة. لعل من بينها الإيغال فى التسامح. لكن بالي يأخذني إلى بُعد آخر، وهو أننا فى بدايات الحركة العمرانية اعتمدنا على منفذين ومراقبين من بلدان لا ترى إلاّ العشوائية فى مهامها التنفيذية. و”كلّه تمام” تلك كانت المشعل الهادي إلى رضا المسؤول وصاحب المصلحة، إلى جانب هذا كله استأجرنا خبرات شركات أجنبية لا تُطبّق الحد الأدنى من منطق المهنية، ولا ما يجري فى بلدانها (بلدان الشركات الاستشارية تلك) بل ترى رضا أصحاب المصلحة هو عين الصواب.
والذي يلاحظ مدينة الخبر – مثلاً – يجد أنّ بداياتها كانت مضرب الأمثال فى تخطيط شوارعها وأسواقها (شغل أرامكو)..! كما كان العامة يطلقون العبارة على كل شيء منظّم وجميل.
وعندما آثرت أرامكو أن تظل شركة زيت.. وليست بلدية فرعية..!!. كما قال أحد قدمائها في مذكراته، وتخلت عن بعض مهامها الاستشارية في التخطيط الحضري. فلننظر ماذا حل بالخبر من ردم ودفن وشق وبُعد وقُرب وعشوائية خارجة عن السيطرة فلماذا هذا؟ ألعدم وجود قانون تشريعي لها، فالنطاق العمراني يبتعد ويقترب حسب أسعار السوق العقاري، كما أن من أهم الأمور غياب النظرية التخطيطية في أغلب مدننا وخروج الأمر عن ضوابط العمران، حيث يلاحظ وجود عشوائية في اتخاذ القرارات واتباع سياسة التجربة ورد الفعل، وأدى ذلك إلى فقدان السيطرة.