لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت الأرض ليس على الطريقة العربية النضالية الشعاراتية وإنما على الطريقة المحلية العقاراتية والإسكانية، فالأرض أصبحت الشغل الشاغل والقاسم المشترك في أحاديث المجتمع والمسؤولين خصوصا ونحن ننتظر نتيجة المداولات «السرية» التي يجريها مجلس الشورى بخصوص فرض رسوم على الأراضي البيضاء وكأنه يناقش ملفا من أهم ملفات الأمن الوطني لا يجب أن يطلع أحد على ما يدور من نقاش بشأنه، وما على الناس سوى انتظار النتيجة التي نأمل ألا تخرج على طريقة لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم مراعاة لشعور أباطرة الأراضي الذين قد لا يتحمل مجلس الشورى غضبهم إذا هو تمادى وتعدى الخطوط الحمراء التي تحرس حماهم.
وعلى أية حال ما زالت المفاجآت تتوالى بأرقام خيالية بشأن الأراضي التي لا نعرف متى وكيف نهبت ومن هم الذين وضعوا أيديهم عليها والذين ساعدوهم في إخراج صكوكها أو سهلوا لهم مهمة تسويغ استخراج الوثائق عليها أو صمتوا طويلا وغضوا أبصارهم عنها ليتمكن اللصوص من ادعاء ملكيتهم لها بحكم وضع اليد أو الإحياء أو تحقيق المنفعة العامة أو غير ذلك من التبريرات التي يجيدها اللصوص وأعوانهم. في هذه الصحيفة قرأنا يوم الاثنين وتحت مانشيت بارز في صفحتها الأولى خبرا يفيد باسترجاع 250 مليون متر مربع من الأراضي البيضاء في أربع مناطق تبلغ قيمتها الإجمالية 300 مليار ريال تقريبا. وفي الصحيفة نفسها نقرأ خبرا آخر بأن أمانة محافظة جدة أحبطت تعديات في عدة مواقع ضمن نطاق بلدية الجنوب تقدر مساحتها بنحو 4.6 ملايين متر مربع، وبالتأكيد ستكون قيمة هذه المساحة مليارية أيضا. ودعونا فقط نتخيل كم ستكون المساحات المسروقة في بقية مناطق المملكة وكم ستكون أثمانها.
المشكلة أن مثل هذه السرقات الواضحة الفاضحة لا نعرف عنها سوى خبر اكتشافها، أما بقية التفاصيل فإنها تبقى تحت شعار إن الله يحب الستر، مع أننا نقرأ إعلانات تشهير في الصحف ببعض المخالفين لأنظمة وزارة التجارة مثلا أو بعض اللصوص والمتجاوزين الصغار، ولذلك قد يكون نوعا من الردع لو تم مستقبلا إرفاق خبر استرجاع أي أرض باسم ناهبها وفريق العمل الذي تواطأ معه، أو حتى صورة «قفاه» كأضعف الإيمان كما نشاهد صور أصحاب الجنايات الصغيرة.