الحجم الذي يمثله المقيمون من الأيدي العاملة الوافدة للمملكة ومن يرافق البعض منهم من أفراد أسرهم المقدر بنحو ثلث إجمالي عدد السكان، والتركيبة السكانية لهذه الشريحة بما تحتاجه من مختلف أنواع الخدمات بما فيها خدمات السكن وما يرتبط بذلك من خدمات أخرى مصاحبة بالتأكيد أن لها تأثيرها الذي لا يمكن اغفاله على سوق الإسكان بالمملكة في الحاضر أو المستقبل المنظور، سواء من ناحية التوازن ما بين العرض والطلب، أو الكفاءة الوظيفية للخدمات، أو استقرار الحياة الاجتماعية في بيئة مدن المملكة السكنية.
حيث لا يخفى من جانب التوازن بين العرض والطلب للمساكن في سوق الإسكان بالمملكة أن ما يشغله الوافدون من مساكن يقدر بنحو (1.4) مليون وحدة سكنية من إجمالي (4.6) ملايين وحدة سكنية مشغولة بمواطنين ومقيمين، وهذا كم من المساكن يعادل تقريباً العدد المطلوب من الوحدات السكنية التي تحتاجها المملكة على مدى الخمس سنوات من عمر خطة التنمية العاشرة الحالية، الأمر الذي يوحي بأن سوق الإسكان في المملكة يستجيب في الواقع للطلب المحلي على الوحدات السكنية بل قد يفيض في انتاجه لتلك الوحدات بما يفوق الطلب، وأن ما يسبب الخلل في التوازن بين العرض والطلب هي تلك الأيدي العاملة الوافدة المتذبذبة في نمو أعدادها، بل وربما المفاجئة أحياناً في هذا النمو، التي تستقطع حصة كبيرة مما يعرض في هذا السوق ضمن مجال الإيجار تحديداً، وبالتالي يؤثر على ميزان هذا التعادل في الحاضر، وقد تكون مؤشر خلل محتمل في المستقبل أيضاً.
أما عن الكفاءة الوظيفية للخدمات العامة فيمكن أن نلمسها واضحة في التركيبة السكانية للوافدين التي يمثل الذكور نسبة (70%) من إجماليهم، وهو ما يعني أن الغالبية منهم هم من العزاب الذين يتسبب تقاطرهم للإقامة في بعض الأحياء السكنية بمدن المملكة في تعطل إمكانية تشغيل بعض عناصر الخدمات في تلك الأحياء مثل المدارس لخلو أو تدني تلك الأحياء من أعداد الطلاب التي أنشئت تلك المرافق لخدمتهم وربما امتدت كذلك لخدمات أخرى صحية أو ترفيهية أو خلافها.
وحين يمتد النظر إلى الأثر الذي يتركه الأخوة الوافدون على استقرار الحياة الاجتماعية في بيئة مدن المملكة السكنية، فيكفي أن نقف على ما تسببه التركيبة السكانية لهؤلاء الوافدين الذين معظمهم من العزاب من اضطرار بعض أسر المواطنين لأن تهجر أحياءها السكنية التي استقرت فيها لعقود نتيجة انتشار تلك المجموعات من العزاب للسكن في الوحدات السكنية المحيطة بهم.
إن هذه الآثار وغيرها من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي لا يتيح المجال إلا لإعطاء نماذج منها، والطابع الموقت لإقامة الإخوة الوافدين وبالذات العزاب لحري أن توجه الاهتمام والعناية بصياغة برامج إسكان لهذا الغرض لا تؤثر على توازن وكفاءة سوق الإسكان في الحاضر ولا هدر الموارد التي نحتاجها في المستقبل.